نقد مسرحية مريض بالوهم لموليير

نقد مسرحية مريض بالوهم لموليير
يكرر موليير فى هذا المسرحية نفس المسألة التى تناولها فى مسرحية طرطوف وهى:
تزويج البنت من يريد الوالد وليس من تريد البنت والفارق بين الاثنتين هو أن الزوج المختار من قبل الوالد فى طرطوف سلب لب الوالد تماما بنفاقه الذى جعله عنده أفضل أهل الأرض أخلاقا عند الوالد ولذا كان يريد تزويج ابنته به على أساس أنه الزوج الأفضل خلقا وأما فى مريض بالوهم فالوالد يريد مصلحته هو وليس مصلحة ابنته
أرغان هو البطل الرئيسى وهو رجل غنى أوهم نفسه أنه مريض مع أنه ليس كذلك ولذا فهو يتردد على الأطباء وحياته كلها قائمة على تناول الأدوية فى معظم الأوقات مع اختلاف أنواعها ونتيجة لهذا فالطبيب الذى يعتقد فى سلامة علمه كما يعتقد المريد فى شيخه يستغله هو الأخر ترويجا لأدويته واستغلالا لماله فهو لن يجد مريضا يشترى كل هذا الكم من الأدوية يوميا
أرغان أراد ان يوفر من تزويج ابنه للطبيب ابن الطبيب بعض المال وان يجد طبيبا تحت قدميه يلبى علاج أوجاعه فى أى وقت باعتباره زوجا لابنته وفى هذا قال موليير:
"أرغان عذرى أنى رجل عاجز مريض وفى حالتى ألتمس أن أوفق إلى صعر وإلى صحبة أطباء يمدوننى بالإسعافات الناجعة على علتى ليتوفر فى اسرتى مصدر عقاقير أنا بأمس الحاجة إليها وتضحى الاستشارات والوصفات على متناول يدى "
وكرر نفس الكلام فى مواضع أخرى منها :
"أرغان إنما أزوجها هذا النطاسى من أجلى وعلى الابنة الأصيلة أن تطرب لاقترانها بمن هو نافع لصحة الوالد "
ويبين الوالد أن لا قيمة لرأى ابنته فى الزواج فالرأى هو رأيه وقد اختاره أيضا لأنه سيرث ثروة طائلة ودخلا عظيما فقال :
"أنا صاحب الشأن معه بغض النظر عن أنه نصيب لها أصلح مما يظنون فليس هناك لديارافوس من ولد غيره ولا وريث سواه وعلاوة على ذلك فإن السيد يورغون وهو دونما زوج أو عقب رصد له كل غناه فى سبيل هذا الزفاف ما عدا ثمانية ألاف ليرة دخلا سنويا "
توانيت لابد أنه أزهق أنفسا كثيرة ليصبح غنيا هكذا
أرغان ثمانية آلاف ليرة هى فائدة لا يستهان بها ناهيك عن ثروة الأب "
ويواجه أرغان معارضة من أفراد البيت فالخادمة توانيت وهى أكثر من يقف فى وجهه بسبب تلك الزيجة تعلن له أن غناه يغنيه عن زوج طبيب لن يزيد غناه فتقول:
"توانيت ماذا سيدى أتهرج خذا الهرج وأنت ما أنت عليه من الغنى لتنوى على أن تزف بنتك إلى طبيب ؟
وفى مكان أخر تعلن له أن اختيار الزوج من حق الابنة وحدها وطالما أنها صحيحة فهى ليست بحاجة إلى طبيب وهو قولها:
"توانيت هذا هو الواقع يحق لابنتك أن تتخذ زوجا وبما أنها لا تشكو أدنى علة فلا حاجة إذن إلى اعطاءها طبيبا"
وتبدو العبارة وكأنها تقلد قولا فى العهد الجديد يقول "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى لم آت لأدعو أبرارا بل خاطئين"
وأرغان يعلن لتوانيت التى تخبره بعدم موافقة ابنته على هذا الزواج أنه سيجبرها على الزواج بالطبيب وإلا دفعت الثمن وهو دخول الدير لتكون راهبة وهو المذكور فى الفقرة التالية:
" أرغان ليزعموا ما شاءوا فلك أقول عليها أن تنفذ كلاما أعطيه
توانيت كلا فى يقينى أنها لن تلبيه
أرغان أرغمها عليه إرغاما
توانيت قلت لك لن تفعله
أرغان تفعله أو ادخلها الدير أنا
توانيت أنت
أرغان أنا"
والابنة أنجليك تعلم أبيها أن زوجها الذى ترتضيه هو كليانت وهو ما جاء فى الفقرة التالية:
"أنجيلك كليانت ابن شقيق يورغون
أرغان ما شأن كليانت به إنما نحن بصدد من طلبوك للزواج منه
أنجليك أى نعم
أرفان أى حسنا ابن شقيق السيد يورفون ابن صهره النطاسى ديا فواريوس اسم هذا الابن هو توماس ديافواريوس وليس كليانت هذا الزواج أبرمناه صباحا السيدان يورغون وفلوران وأنا وغدا يسوق هذا الصهر أبوه إلى ماذا ما بالك منغصة؟"
وأرغان يستغرب موقف الخادمة توانيت المعارض وهى تعلن له أنها ناصح أمين طالما فقد صوابه وفى هذا تقول الفقرة الآتية:
"أرغان يا لجسارة الخادمة تتطاول هكذا بحضرة معلمها
توانيت عندما رب البيت لا يعى ما يعمل فمن واجب الخادمة الواعية أن تصحيه"
وكما فى مسرحية طرطوف نجد الأب يحرم أولاده بنين وبنات هناك أوصى للمنافق بكل ثروته لأن الابنة لم تستجب لطلبه بزواج المنافق نجد الأب أرغان هنا يحرم بناته من ثروته لأنه النته أنجليك رفضت الزواج من الطبيب الذى اختاره زوجا لها ومن ثم يكتب الوصية لزوجته بالين التى هى خالتهم التى تزوجها بعد موت أمهم وهو ما جاء فى الفقرة التالية"
" الكاتب العدل أتأمر بالشروع فى الوصية؟
أرغان أجل أيها السيد"
وقد سبق أن نبهه الكاتب العدل إلى أن القوانين تمنعه من كتابة ماله لزوجته التى لم ينجب منها وأن هناك طرق للتحايل على القوانين منها أن يكتل به مالا باسم ثدي قبعا ويأخذ على الصديق ورق بأن يقوم بإعطاء الزوجة ما أعطاه للصديق بعد موته فقال :
" الكاتب العدل ما الحاجة إلى محامين للمراجعة لأنهم صارمون بهذا الصدد ويظنون أنها الجريمة الكبرى احتيالا على القانون فما هم إلا أصحاب المتاعب قاصرون عن مواربات الضمير فثمة أشخاص أكثر إيناسا بالشورى ولديهم ما لديهم من ترويجات للتجاوز استخفافا بالقانون فكل ممنوع متبوع إنهم أدرى بتذليل العقبات فى مسألة يوفقون إلى أساليب تتجنب المألوف ببعض توفيقات غير ملتوية لولاهم أين كنا صرنا لابد من تيسير الأمور فلا حيلة لدينا لنحرك ساكنا ولست أضحى دونها ولا بصول واحد فى مهنتنا "
وكما أن الأب هناك لم يصدق الحقيقة وهى أن طرطوف منافق يريد ثروته وليس حريصا على منفعته حتى أثبتت الزوجة طرطوف متحرشا بها طالبا الزانى معها وشتم الرجل الذى وثق فيها نجد هنا الأخ بيرالد يثبت لأخيه أن زوجته لا تحبه وأنها لا تريد سوى ثروته حيث طالبه أن يدعى الموت بالرقاد وعندما أخبرها الأخ بموت زوجها أرغان لم تهتم بالميت ولم تكلف نفسها حتى بالنظر إليه أو البكاء بل وذكرت كل مساوئه وأنها ارتاحت منه وهو ما عبرت عنه الفقرة التالية:
"بالين المجد فى الأعالى لقد انزاح حمل ثقيل عن كاهلى ما أشد غباوتك فى التفجع على الوفاة يا توانيت
توانيت وجدتنى هكذا إلى البكاء ألزم يا سيدتى
بالين هيا هيا لا تحترزى فى مسألة تافهة كهذه ليس بفقدانه أية خسارة لعمرى ما المنفعة من رجل جلوط فى قومه قذر مقرف شطاف غسال بدواخله لا ينفك ساعلا ماخطا نافثا أبدا ولشر مزاجه هو ضجر سمج مرهقا كل قومه مرعبا كل خدمه وجواريه بشر تعبيراته
توانيت هو ذى مرثاة تأبين لا غبار عليها "
والمسرحية تبين أن الأطباء مختلفون فى الآراء فواحد يقول المرارة وواحد يقول الكبد والفرد قد يكون سليما وهو ما عبرت عنه الفقرة التالية:
"توماس ديافواريوس يغمز من غدده أقصد المرارة
السيد ديافواريوس حسنا جدا
أرغان كلا إنما العلة فى كبدى حسب رأى السيد لورغون
السيد ديافواريوس أوه نعم بقولنا الغدد نعنى الاثنين معا نظرا لتطابق أنبول الجوف والراحية المعدية السفلى بمشيج السوداء لابد أنه أمر لك بلحم سيما المشاوى
أرغان كلا ليس إلا المغالى"
وقد بين بيرالد أخو أرغان له أن الطب حماقة فقال :
"بيرالد لست بحاجب ثقتى فحسب بل أجد الطب أفدح الحماقات بين الملأ ولا أرى أسخف منه مهزلة ولا أدنى من امرىء راح يتطفل على امرىء بشفائه سيما إذا نظرنا إليه نظرة فلسفية "
ورغم أن الأخ والخادمة أثبتا له أن الزوجة والأطباء لا يريدون مصلحته وهى منفعته فإن الوهم جعله يطلب من كليانت الذى أراد خطبة ابنته أن يدرس الطب حتى يقدر على معالجته وأخبره أنه لن يقبل به إلا بعد أن يكون طبيبا وهو ما عبرت عنه الفقرة الآتية:
"أرغان ليعد نفسه نطاسيا أوافق على عرسه نعم أعد نفسك طبيبا أعدك بابنتى
كليانت بكل طيبة خاطر إن صاهرتنى طبيبا جعلت الطب دينى والصيدلة ديدانى إذا شئت فلا مانع لدى ويالعجب العجاب سأبرع أو انال يد أنجليك الجميلة
بيرالد وخاطرة تجول بخاطرى لعلك يا اخى تعد نفسك بنفسك نطاسيا دون غيرك فتستقل بذاتك وتستغنى
توانيت ونعم الرأى هى الطريقة المثلى للتعجل فى شفائك فليس أفتك للمرض إلا التلبس بدور الطبيب شخصيا
بيرال أية دراسة وأى كتاب حسبك علم فالعديد منهم دونك مهارة"